صدرت "الحلقة المفقودة" في سوريا ، عن منشورات دار النايا ومحاكاة، للروائي والقاص المغربي سعيد بوكرامي، وهي روايته الثانية بعد أربع مجموعات قصصية.
على غلافها الأخير نقرأ ما يلي:
فجأة دخلوا جميعهم ضوءا عارما كأنه بوابة الشمس. أفرطوا في التحديق لكن الرؤية كانت محجوبة وكأنهم أصلا بلا عيون، هذا الضوء الأبيض المتدفق أمامهم ينساب بينهم ويكاد يخترق أجسادهم. لم يستطع أحد أن يفسر ما يحدث، وحده الإحساس البارد أحيانا الفاتر أحيانا أخرى يدفعهم للاعتقاد أن الممشى صفيح ثلج بجوار مداخن بركان يوشك أن ينفجر تحت أقدامهم المخترقة للأرض الرطبة. هم بلا أحذية إذن يصاحبهم إحساس طفولي أنهم يبدؤون من جديد، لكن ماذا سيحل بهم وهم يطئون ملمسا رطبا كالقطن؟ ورويدا رويدا تلاشى كل شيء وبدأت الرؤية تتضح مضمخة باللون الأزرق الفاتح، كأنها سماء صيف باذخة بالزرقة حد الهوس، صامتة كمرآة زرقاء.
تأملوا بعضهم البعض بلا مبالاة ثم استعادوا قليلا من يقظتهم فدققوا الملاحظة في بعضهم البعض. لم يتعرفوا على بعضهم البعض وكأنهم لم يلتقوا أبدا. لكن وجها مترسخا في ذاكرتهم كان الاشقى والاحزن بينهم. كان هذا الوجه ينظر اليهم بتعاسة من يطلب الغفران وهو يعلم أنه لن يناله.
السؤال الأول الذي قفز من أفواههم: من نحن؟ ثم تلاه السؤال الثاني: أين نحن؟ وأخيرا: من المسؤول عما حدث؟
لا بد أن مثل هذه الأسئلة كانت ستشغلهم العمر كله لو أنهم كانوا في موقع يسمح لهم بالتأويل أو الحجاج. و ربما هذا أفضل ما يمكن أن يأتي به الانسان. لكنهم لن يتكبدوا هذه المشقة المحيرة للعقول، لأن الأصوات التي سترافقهم كانت ستتكفل بحل سر الأسرار ولغز الألغاز بسهولة مضحكة أحيانا ومبكية أحيانا أخرى. وكأن تعلم البشرية كله كان مبنيا على باطل الأباطيل.
أثناء عبورهم للمابين بدأ يتلاشى إحساسهم بكل تعقيدات والتباسات الحياة وبدؤوا يعترفون أنهم أصلا لا يعرفون شيئا وأن المعرفة لم توجد أصلا وعليه فالحقيقة حقائق من الوهم تتجاوز إدراكهم وكأنها كانت أبدا تجاورهم وتفارقهم كما الموت الذي يقبلون عليه، حقيقته في لا حقيقته، دورة في اتجاه المتناهي ودورة أخرى في اتجاه اللامتناهي. إذ يكفي الخوف ثم يليه التهور ويعقبه الجهل أن تتحول الأحلام والرغبات إلى وابل من الرصاص يهطل من كل مكان كأنه مطر صيفي.
نترك هؤلاء المصابين المضرجين بالدماء يموتون بسلام ونبدأ الحكاية من لحظة بدايتها.